الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{أَلاَ تَتَّقُونَ} أي ألا تتقون الله في عبادة الأصنام.{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} أي صادق فيما أبلغكم عن الله تعالى.وقيل: {أَمِينٌ} فيما بينكم؛ فإنهم كانوا عرفوا أمانته وصدقه من قبل؛ كمحمد صلى الله عليه وسلم في قريش.{فاتقوا الله} أي فاستتروا بطاعة الله تعالى من عقابه.{وَأَطِيعُونِ} فيما آمركم به من الإيمان.{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} أي لا طمع لي في مالكم.{إِنْ أَجْرِيَ} أي ما جزائي {إِلاَّ على رَبِّ العالمين}.{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} كرر تأكيدًا.قوله تعالى: {قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون} فيه مسألتان:الأولى: قوله تعالى: {قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ} أي نصدق قولك.{واتبعك الأرذلون} الواو للحال وفيه إضمار قد، أي وقد اتبعك.{الأَرْذَلُونَ} جمع الأرذل، المكسر الأراذل والأثنى الرُّذْلَى والجمع الرُّذَّل.قال النحاس: ولا يجوز حذف الألف واللام في شيء من هذا عند أحد من النحويين علمناه.وقرأ ابن مسعود والضحاك ويعقوب الحضرمي وغيرهم، {وَأَتْبَاعُكَ الأَرْذَلُون}.النحاس: وهي قراءة حسنة؛ وهذه الواو أكثرها تتبعها الأسماء والأفعال بقد.وأتباع جمع تبع وتبيع يكون للواحد والجمع.قال الشاعر: ارتفاع {أتْبَاعُكَ} يجوز أن يكون بالابتداء و{الأَرْذَلُونَ} الخبر؛ التقدير أنؤمن لك وإنما أتباعك الأرذلون.ويجوز أن يكون معطوفًا على الضمير في قوله: {أَنُوْمِنُ لَكَ} والتقدير: أنؤمن لك نحن وأتباعك الأرذلون فنعدّ منهم؛ وحسن ذلك الفصل بقوله: {لَكَ} وقد مضى القول في الأراذل في سورة هود مستوفًى.ونزيده هنا بيانًا وهي المسألة:الثانية: فقيل: إن الذين آمنوا به بنوه ونساؤه وكناته وبنو بنيه.واختلف هل كان معهم غيرهم أم لا.وعلى أي الوجهين كان فالكل صالحون؛ وقد قال نوح: {وَنَجِنّي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ المُوْمِنِينَ} والذين معه هم الذين اتبعوه، ولا يلحقهم من قول الكفرة شين ولا ذمّ، بل الأرذلون هم المكذبون لهم.قال السهيلي: وقد أغرى كثير من العوام بمقالة رويت في تفسير هذه الآية: هم الحاكَة والحجّامون.ولو كانوا حاكة كما زعموا لكان إيمانهم بنبيّ الله واتباعهم له مشرِّفًا كما تشرَّف بِلالٌ وسَلْمَان بسبقهما للإسلام؛ فهما من وجوه أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فلا ذرية نوح كانوا حاكة ولا حجّامين، ولا قول الكفرة في الحاكة والحجامين إن كانوا آمنوا بهم أرذلون ما يلحق اليوم بحاكتنا ذمًّا ولا نقصًا؛ لأن هذه حكاية عن قول الكفرة إلا أن يجعل الكفرة حجة ومقالتهم أصلًا؛ وهذا جهل عظيم وقد أعلم الله تعالى أن الصناعات ليست بضائرة في الدين.قوله تعالى: {قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} {كان} زائدة؛ والمعنى: وما علمي بما يعملون؛ أي لم أكلف العلم بأعمالهم إنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان، والاعتبار بالإيمان لا بالحِرَف والصّنائع؛ وكأنهم قالوا: إنما اتبعك هؤلاء الضعفاء طمعًا في العزة والمال.فقال: إني لم أقف على باطن أمرهم وإنما إليّ ظاهرهم.وقيل: المعنى إني لم أعلم أن الله يهديهم ويضلكم ويرشدهم ويغويكم ويوفقهم ويخذلكم.{إِنْ حِسَابُهُمْ} أي في أعمالهم وإيمانهم {إِلاَّ على رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} وجواب {لو} محذوف؛ أي لو شعرتم أن حسابهم على ربهم لما عبتموهم بصنائعهم.وقراءة العامّة: {تَشْعُرُونَ} بالتاء على المخاطبة للكفار وهو الظاهر.وقرأ ابن أبي عَبْلَة ومحمد بن السَّمَيْقَع: {لو يشعرون} بالياء كأنه خبر عن الكفار وترك الخطاب لهم؛ نحو قوله: {حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس: 22].وروي أن رجلًا سأل سفيان عن امرأة زنت وقتلت ولدها وهي مسلمة هل يقطع لها بالنار؟ فقال: {إِنْ حِسَابُهُمْ إلاَّ عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ}.{وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين} أي لخساسة أحوالهم وأشغالهم.وكأنهم طلبوا منه طرد الضعفاء كما طلبته قريش.{إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} يعني: إن الله ما أرسلني أخص ذوي الغنى دون الفقراء، إنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به، فمن أطاعني فذلك السعيد عند الله وإن كان فقيرًا.قوله تعالى: {قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانوح} أي عن سبّ آلهتنا وعيب ديننا {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} أي بالحجارة؛ قاله قتادة.قال ابن عباس ومقاتل: من المقتولين.قال الثُّمَالِيّ: كل مرجومين في القرآن فهو القتل إلا في مريم: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ} [مريم: 46] أي لأسبنك.وقيل: {مِنَ الْمَرْجُومِينَ} من المشتومين؛ قاله السدي.ومنه قول أبي دؤاد.{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين} قال ذلك لما يئس من إيمانهم.والفتح الحكم وقد تقدم.{فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك المشحون} يريد السفينة وقد مضى ذكرها.والمشحون المملوء، والشحن ملء السفينة بالناس والدواب وغيرهم.ولم يؤنث الفلك هاهنا؛ لأن الفلك هاهنا واحد لا جمع {ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الباقين} أي بعد إنجائنا نوحًا ومن آمن.{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}. اهـ.
|